--------------------------------------------------------------------------------
الأضحية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد فالأضاحي من أعظم القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، شرعت في العام الثاني من الهجرة ، وهي سنة مؤكدة ، من تركها فلا يأثم موسرا كان أو معسرا ؛ فعن حذيفة بن أسيد قال: " رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وما يضحيان مخافة أن يستن بهما ." رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
فضلها : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ؛ أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ : مَاعَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةَ دَمٍ. وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَأَشْعَارِهَا. وإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ. فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً . (رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه)
حكمتها : التقرب إلى الله وشكره تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام ، وأيضا إحياء سنة أبي الأنبياء إبراهيم r، ومراعاة الغني للفقير وإشاعة الرحمة بين الفقراء والمساكين .
شروط صحة الأضحية :
1- النية ؛ فالأضحية قربة إلى الله ، وكل ما يتقرب به إلى الله يحتاج لقبولها النية ، والنية تكون عند الذبح ، ولو نوى قبل الذبح أجزأه .
2- أن تكون من هذه الأصناف الأربعة : الإبل ، أو البقر ، أو الضأن ، أو المعز .
3- أن تكون الأضحية سليمة غير معيبة ؛ عَنْ أَبِي الضّحّاكِ عُبَيْدٍ بْنِ فَيْرُوزٍ مَوْلَى بَنِي شَيْبَانَ قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ حَدّثْنِي عَمّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ r مِنَ الأَضَاحِي قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لاَ يَجُزْنَ الْعَوْرَاءُ الْبَيّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيّنُ ظَلْعُهَا وَالْكَسِيرَةُ الّتِي لاَ تُنْقِي» رواه مالك وأحمد والنسائي وصححه الترمذي وأبن حبان . ومعنى ( البين ظلعها) أي الظاهر عرجها ، ومعنى (لا تنقي ) أي لا مخ في عظمها والمقصود الهازل العجفاء .
وإذا أعيبت بعد شرائها يقول الفقهاء لو كان موسرا يأتي بغيرها ، وإذا كان فقيرا أجزأته .
4- أن تكون سنها مما أوفت سنة للضأن والمعز ، و مما أوفت سنتين في البقر ، ومما أوفت أربع سنوات في الإبل .
وقت ذبحها : الوقت المشروع لذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى إلى قبل مغرب يوم التشريق الثالث (رابع أيام العيد) عن البراء بن عازب t قال: خطبنا النبي r يوم النحر قال: " إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء ". رواه البخاري .
وعن جبير بن مطعم t أن رسول اللّه r قال: "أيام التشريق كلها ذبح" (رواه الإمام أحمد وابن حبان)
ماذا يفعل من أراد أن يضحي ؟
1- يكره كراهية شديدة لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا وذلك إذا أهل هلال ذي الحجة حتى يضحي لقوله r إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره . ( رواه مسلم )
وعن أُمّ سَلَمَةَ أَنّ النّبِيّ r قَالَ "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً".( رواه النسائي )
2- يستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه ، إن كان يحسن الذبح ؛ كما فعل الرسول r عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحّى النّبِيّ r بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمّىَ وَكَبّرَ. وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَىَ صِفَاحِهِمَا. رواه البخاري ومسلم في رواية قال: (ويقول بسم الله والله أكبر)
وإن كان لا يحسن الذبح أناب غيره ولو بالأجرة ، ويستحب أن يشهد الذبح بنفسه .
3- ويستحب للمضحي إذا أراد أن يذبح أضحيته بنفسه أن يحد شفرته ويريح ذبيجته وأن يوجهها إلى القبلة ويقول : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين " وأن يسمي الله- عز وجل – ويكبره فيقول عند وضع السكين : باسم الله ، الله أكبر ؛ روى مسلم عن عائشة أن رسول الله r أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به . فقال لها: يا عائشة هلمي المدية. ثم قال: اشحذيها بحجر ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: " بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " ثم ضحى به.
فإن نسي التسمية فلا شيء عليه ، وإن تعمد تركها لا تؤكل ذبيحته .
4- ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ، وأن يطعم منها أهله وجيرانه وأصدقاءه ، والفقراء ، والمساكين . واستحب بعض الفقراء تقسيمها ثلاثة أثلاث ؛ ثلثا لأهله ، وثلثا لجيرانه وأصدقائه ، وثلثا للفقراء والمساكين . وله أن يخالف ذلك لأنه لا يوجد في الكتاب ولا السنة حد معين له أو لغيره ؛ فالله أمرنا بالأكل منها وإطعام القانع (السائل الذي لا يلح في السؤال ) والمعتر (الفقيرُ، الذي يتعرض للمسألة من غير أن يَسْألَ ) قال تعالى في سورة الحج 36: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
5- ولا يعطي الجزار أجرة عمله من الأضحية عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ rأَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ. وَأَنْ أَقْسِمَ جِلاَلَهَا وَجُلُودَهَا. وَأَنْ لاَ أعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئاً. وَقَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ من عندنا . (رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه ).
6- ويجوز اشتراك أهل البيت الواحد في الأضحية عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ، فِي عَهْدِ النَّبِي r يُضَحِّى بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. (رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ) .
أما في غير البيت الواحد فإن جمهور الفقهاء جوزوا الاشتراكك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر ، وهي تجزيء عن سبعة فأقل وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: نحرنا مع رسول الله rعام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
تقبل الله منا ومنكم وكل عام وأنتم بخير .
المراجع: شرح صحيح مسلم للنووي .
فتح الباري لابن حجر العسقلاني .
سبل السلام للصنعاني
نيل الأوطار للشوكاني .
بداية المجتهد لابن رشد .
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري.
منهاج المسلم للجزائري
الفقه الواضح للدكتور محمد بكر إسماعيل .
فقه السنة للسيد سابق