فضل الأيام العشر من ذي الحجة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد فلا ريب أن أيام العشر من ذي الحجة هي من أفضل أيام الله كما قال الرسول r عن جابر t أن رسول الله r قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" - يعني عشر ذي الحجة - قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه في التراب". رواه البزار وقال الحافظ الهيثمي إسناده حسن ورجاله ثقات. وصححه السيوطي والألباني .
والعمل في هذه الأيام أفضل من غيرها من الأيام ؛ عن ابن عباس tعن النبيّ r أنه قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ مِنْها في هَذِهِ - يعني عشر ذي الحجة – قالوا : وَلا الجهادُ فِي سَبيل اللّه؟ قال: وَلا الجِهادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِهِ وَمالِه فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" رواه البخاري .
قال الشوكاني :والحديث فيه تفضيل أيام العشر على غيرها من السنة ... والحكمة في تخصيص عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها الحج والصدقة والصيام والصلاة ولا يتأتى ذلك في غيرها .
خير الأعمال في هذه العشر
الحج : خير الأعمال في تلك الأيام هو أداء شعيرة الحج حيث يفد المسلم إلى بيت الله الحرام آملا أن يعود من هناك وقد غفرت ذنوبه ؛عن أبي هريرة tقال قال رسول الله r " من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه " رواه البخاري .
الإكثار من العمل الصالح : كالإكثار من صلاة النوافل والصدقة وقراءة القرآن فقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله r قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه" يعني العشر الأوائل من ذي الحجة،،
كما يتوب فيها المسلم توبة نصوحا ويقلع عن الذنوب والمعاصي ؛ فالذنوب والمعاصي تزداد حرمتها في تلك الأيام .
الصيام :يستحب صيام الأيام التسع من ذي الحجة وبخاصة اليوم التاسع ( يوم عرفه ) فيستحب صومه استحبابا شديدا لغير الحاج ؛ عن أبي قتادة tقال سئل رسول الله rعن صوم يوم عرفة فقال " يكفر السنة الماضية والباقية " رواه مسلم .
واليوم العاشر ( يوم النحر ) منهي عن صيامه ؛ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ t فَجَاءَ فَصَلّىَ ثُمّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النّاسَ. فَقَالَ: إِنّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ. نَهَىَ رَسُولُ اللّهِ r : عَنْ صَومِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالاَخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. رواه مسلم
أما قول السيدة عَائِشَةَ t: مَا رَأَيْتُهُ رَسُولَ اللّهِ r صَائِماً فِي الْعَشْرِ قَطّ.( رواه مسلم ) فقد قال الإمام النووي : قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحباباً شديداً لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة . فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه ولا يلزم من ذلك عدم صيامه ، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي r قالت: "كان رسول الله r يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس" ورواه أبو داود وأحمد والنسائي .
التهليل والتكبير والتحميد : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير". رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح .
وذكر البخاري أن ابن عمر وأبا هريرة رضي اللّه عنهما كانا يَخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكَبِّران ويُكَبِّر الناسُ بتكبيرهما.
والتكبير نوعان :
مطلق في جميع الأوقات ليلا ونهارا من بداية الأيام العشر .
ومقيد في أدبار الصلوات من صبح يوم عرفه إلى العصر من آخر أيام التشريق .
الأضاحي : وهي من أعظم القربات التي يتقرب بها المسلم في تلك الأيام ، وهي سنة مؤكدة ، من تركها فلا يأثم موسرا كان أو معسرا ؛ فعن حذيفة بن أسيد قال: " رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وما يضحيان مخافة أن يستن بهما ." رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
والوقت المشروع لذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى إلى قبل مغرب يوم التشريق الثالث (رابع أيام العيد) عن البراء بن عازب tقال: خطبنا النبي rيوم النحر قال: " إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء ". رواه البخاري .
وعن جبير بن مطعم tأن رسول اللّه rقال: "أيام التشريق كلها ذبح" (رواه الإمام أحمد وابن حبان)
ماذا يفعل من أراد أن يضحي ؟
عن أُمّ سَلَمَةَ أَنّ النّبِيّ r قَالَ "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً". رواه النسائي فلا يمس : أي لا يأخذ . من شعره : أي شعر بدنه ( رأسه – لحيته – شاربه – إبطه - العانة ) ولا من بشره : ظفر أو جلد
وعنها أَنّ النّبِيّ r قَال إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره رواه مسلم
وقد اختلف العلماء فيمن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي :
فقال سعيد بن المسيب وأحمد : أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي. واحتجوا بحديث أُمّ سَلَمَةَ
وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام. ، واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هديه" رواه البخاري ومسلم. قال الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك، وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه.
ولعل الحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار .
ماذا يفعل من لا يستطيع أن يضحي ؟
من عجز عن الأضحية فليأخذ من أشعاره وأظفاره ؛ فيحلق شعره ويقص أظافره يوم النحر ؛ فعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: «أُمِرْتُ بِيَوْمِ الأَضْحَى عِيدا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِهَذِهِ الأُمّةِ» فَقَالَ الرّجُلُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ أَجِدْ إلاّ مَنِيحَةً أُنْثَى أَفَأُضَحّي بِهَا؟ قَالَ: «لاَ وَلَكِنْ تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِكَ وَتُقَلّمُ أَظْفَارَكَ وَتَقُصّ شَارِبَكَ وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ فَذَلِكَ تَمَامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ اللّهِ عَزّ وَجَلّ». رواه النسائي وأحمد وابن حبان وأبو داوود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
والمنيحة هي الشاة تعار وتمنح للغير ليستفاد من لبنها ثم ترد .
تقبل الله منا ومنكم وكل عام وأنتم بخير .
المراجع
شرح صحيح مسلم للنووي .
فتح الباري لابن حجر العسقلاني .
سبل السلام للصنعاني .
نيل الأوطار للشوكاني .
بداية المجتهد لابن رشد .
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري.